کد مطلب:168017 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:131

من هو الحر بن یزید الریاحی؟
هو الحرُّ بن یزید بن ناجیة بن قَعنَب بن عتّاب [الردف] بن هرمیّ بن ریاح بن یربوع بن حنظلة بن مالك بن زید بن مناة بن تمیم، فهو التمیمیّ الیربوعیّ الریاحیّ.

كان الحرّ شریفاً فی قومه جاهلیة وإسلاماً، فإنّ جدّه عتّاباً كان ردیف النعمان، وولد عتّاب قیساً وقعنباً ومات، فردف قیس للنعمان ونازعه الشیبانیون، فقامت بسبب ذلك حرب یوم الطخفة.

والحرّ هو إبن عمّ الاخوص الصحابیّ الشاعر: زید بن عمرو بن قیس بن عتّاب. وكان الحرّ فی الكوفة رئیساً، ندبه ابن زیاد لمعارضة الحسین علیه السلام فخرج فی ألف فارس! [1] .

والظاهر من متون قصة لقاء الامام علیه السلام مع الحرّ (رض) علی رأس ألف فارس


قادماً من القادسیة لمعارضة الامام علیه السلام فی مسیره: أنّ الحرّ (رض) كان یومذاك عارفاً ومؤمناً بمقام ومنزلة أهل البیت (ع) عند اللّه تبارك وتعالی، وكارهاً لمأموریة خروجه لمعارضة الامام علیه السلام!

فها هو یجیب الامام علیه السلام حینما قال له: ثكلتك أمّك! ما ترید؟ قائلاً: أما واللّه لو غیرك من العرب یقولها لی، وهو علی مثل الحال التی أنت علیها ما تركت ذكر أمّه بالثكل أن أقوله، كائناً من كان! ولكن واللّه مالی إلی ذكر أمّك من سبیل إلاّ بأحسن ما یُقدر علیه!

ویقول للامام علیه السلام أیضاً: وأنا أعلمُ أنّه لایوافی القیامة أحدٌ من هذه الامّة إلاّ وهو یرجو شفاعة جدّك محمّد (ص)! وأنا خائف إنْ قاتلتك أن أخسر الدنیا والاخرة!...

وروی الشیخ ابن نما (ره) بإسناده أنّ الحرّ (رض) بعد أن هداه اللّه ووفّقه للانضمام إلی الامام علیه السلام (قال للحسین علیه السلام: لمّا وجّهنی عبیداللّه إلیك خرجت من القصر فنودیتُ مِن خلفی: أبشر یا حُرّ بخیر! فالتفتُّ فلم أر أحداً! فقلتُ: واللّه ما هذه بشارة وأنا أسیر إلی الحسین علیه السلام!! وما أُحدّثُ نفسی باتباعك!

فقال علیه السلام: لقد أصبت أجراً وخیراً.). [2] .

لكنّ الظاهر من مجموع سیاق قصة خروجه إلی الامام علیه السلام وجعجعته به هو


أنّ الحرّ (رض) لم یكن یتوقّع أنّ القوم سوف ینتهی بهم الامر إلی مقاتلة الامام علیه السلام، ولذا نراه حینما رأی فی كربلاء جدّیة الموقف والحال، وأنَّ كلَّ ما حوله یؤكّد أنَّ فتیل الحرب علی وشك الاشتعال، توجّه إلی عمر بن سعد یسائله مستغرباً قائلاً: أی عمر! أمقاتلٌ أنتَ هذا الرجل!؟

فقال عمر لعنه اللّه: إی واللّه قتالاً شدیداً، أیسره أن تسقط الرؤوس وتطیح الایدی! فردّ علیه الحرّ (رض): أفما لكم فیما عرضه علیكم رضی؟!

قال عمر: أما واللّه، لو كان الامر إلیَّ لفعلتُ، ولكنّ أمیرك أبی!

فأقبل الحرّ حتّی وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه یُقال له قُرَّة بن قیس، فقال له: یا قُرَّة! هل سقیت فرسك الیوم؟

قال: لا!

قال: فما تُرید أن تسقیه؟

قال قرّة: فظننتُ واللّه أنه یُرید أن یتنحّی ولایشهد القتال، فكره أن أراه حین یصنع ذلك، فقلت له: لم أسقه، وأنا منطلق فأسقیه.

فاعتزل ذلك المكان الذی كان فیه، فواللّه لو أنّه أطلعنی علی الذی یُرید لخرجت معه إلی الحسین! فأخذ یدنو من الحسین قلیلاً قلیلا، فقال له مهاجر بن أوس: ما تریدُ یا ابن یزید!؟ أترید أن تحمل؟ فلم یجبه، فأخذه مثل الافكل وهی الرعدة! فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمریب! واللّه ما رأیت منك فی موقف قطّ مثل هذا! ولو قیل لی: من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذی أری منك!؟ فقال له الحرّ: إنّی واللّه أُخیّر نفسی بین الجنّة والنار، فواللّه لاأختار علی الجنّة شیئاً ولو قُطّعتُ وأحرقتُ!!

ثمّ ضرب فرسه فلحق الحسین علیه السلام فقال له: جُعلت فداك یا ابن رسول اللّه!


أنا صاحبك الذی حبستك عن الرجوع وسایرتك فی الطریق وجعجعت بك فی هذا المكان! وما ظننتُ أنّ القوم یردّون علیك ما عرضته علیهم! ولایبلغون منك هذه المنزلة! واللّه لو علمتُ أنّهم ینتهون بك إلی ما أری ما ركبتُ مثل الذی ركبت! وأنا تائب إلی اللّه ممّا صنعتُ، فتری لی من ذلك توبة؟

فقال له الحسین علیه السلام: نعم، یتوب اللّه علیك، فانزل.

فقال: أنا لك فارساً خیر منّی راجلاً، أقاتلهم علی فرسی ساعة، وإلی النزول ما یصیر آخر أمری!

فقال له الحسین علیه السلام: فاصنع یرحمك اللّه ما بدا لك. [3] .

وبهذا یتجلّی أنّ الحرّ (رض) لمّا رأی من القوم مالم یكن یتوقعه منهم ناقش نفسه نقاشاً جادّاً حاسماً فی ظرف زمنّی صعب وعسیر وقصیر! لیتّخذ الموقف الصحیح بین صفّ الحقّ وصفّ الباطل، وما هی إلاّ لحظة مصیریة حاسمة تحرّر فیها الحرُّ من كلّ شلل نفسی وازدواج فی داخله، فانطلق إلی الحقّ وانضمّ إلیه متبرئاً من كلّ عوالق الباطل، منیباً إلی اللّه تائباً إلیه، فی لحظة تأریخیة فریدة، وموقف ریادیّ لامثیل له، جعل من إسم الحرّ الریاحیّ (رض) رمزاً لكلّ عشّاق الحقیقة الاحرار علی مرّ الدهور وتتابع الاجیال.

وكان الحرّ (رض) كما وصفه المهاجر بن أوس من أشجع أهل الكوفة، وقد روی (أن الحرّ لمّا لحق بالحسین علیه السلام قال رجل من تمیم یُقال له یزید بن سفیان: أما واللّه لو لحقته لاتبعته السِنان!

فبینما هو یقاتل، وإنّ فرسه لمضروب علی أُذنیه وحاجبیه وإنّ الدماء لتسیل، إذ قال الحصین: یا یزید هذا الحرّ الذی كنت تتمنّاه! قال: نعم.


فخرج إلیه، فما لبث الحرُّ أن قتله، [4] وقتل أربعین فارساً وراجلاً، فلم یزل یقاتل حتّی عُرْقِبَ فرسه، وبقی راجلاً وهو یقول:



إنّی أنا الحرُّ ونجلُ الحرّ

أشجع من ذی لبدٍ هِزَبْرِ



ولستُ بالجبان عند الكرّ

لكنّنی الوقّاف عند الفَرِّ



كما روی أنّه (رض) قال للامام علیه السلام: (یا ابن رسول اللّه، كنتُ أوّل خارج علیك، فائذن لی لاكون أوّل قتیل بین یدیك، وأوّل من یصافح جدّك غداً! وإنّما قال الحرّ: لاكون أوّل قتیل بین یدیك، والمعنی یكون أوّل قتیل من المبارزین، وإلاّ فإنّ جماعة كانوا قد قُتلوا فی الحملة الاولی كما ذُكر فكان أوّل من تقدّم إلی براز القوم، وجعل ینشد ویقول:



إنّی أنا الحرّ ومأوی الضیف

أضرب فی أعناقكم بالسیف



عن خیر من حلَّ بأرض الخَیفْ

أضربكم ولاأری من حَیْفِ [5] .



وروی أنه (رض) لمّا قُتل احتمله أصحاب الحسین علیه السلام حتّی وضعوه بین یدی الحسین علیه السلام وبه رمق، (فجعل الحسین یمسح وجهه ویقول: أنتَ الحرّ كما سمّتك أُمّك! وأنت الحرّ فی الدنیا، وأنت الحرّ فی الاخرة!

ورثاه رجل من أصحاب الحسین علیه السلام، وقیل: بل رثاه علیّ بن الحسین (ع):



لنِعمَ الحرُ حرُّ بنی ریاحِ

صبورٌ عند مختلف الرماحِ



ونعم الحرُّ إذ فادی حسیناً

وجاد بنفسه عند الصباحِ



فیا ربّی أضفه فی جنانٍ

وزوّجه مع الحور الملاحِ [6] .



وله (رض) خطبة فی القوم یوم عاشوراء قال فیها:


(یا أهل الكوفة! لامّكم الهبل والعبر! أدعوتم هذا العبد الصالح حتّی إذا جاءكم أسلمتموه! وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم علیه لتقتلوه! وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه! وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه فی بلاد اللّه العریضة، فصار كالاسیر فی أیدیكم! لایملك لنفسه نفعاً ولایدفع عنها ضرّاً! وحلاتموه ونساءه وصبیته وأهله عن ماء الفرات الجاری! یشربه الیهود والنصاری والمجوس، وتمرغ فیه خنازیر السواد وكلابهم! فها هم قد صرعهم العطش! بئسما خلفتم محمّداً فی ذریّته، لاسقاكم اللّه یوم الضماء.). [7] .

فسلام علی رمز التحوّل الواعی السریع الجریء من ظلمات الباطل إلی نور الحقّ، سلام علی الحرّ الریاحیّ یوم ولد ویوم استشهد ویوم یُبعث حیّاً!

إنّی لاأری الموت إلاّ شهادة، ولاالحیاة مع الظالمین إلاّ برما!

وروی الطبری عن عقبة بن أبی العیزار قال: (قام حسین علیه السلام بذی حسم، فحمد اللّه وأثنی علیه، ثم قال: إنّه قد نزل من الامر ما قد ترون! وإنَّ الدنیا قد تغیّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت جذاءً فلم یبق منها إلاّ صُبابة كصُبابة الاناء! وخسیس عیش كالمرعی الوبیل! ألاترون أنّ الحقّ لایُعمل به وأنّ الباطل لایُتناهی عنه!؟ لیرغب المؤمن فی لقاء اللّه محقّاً، فإنّی لاأری الموت إلاشهادة ولاالحیاة مع الظالمین إلاّ برما. [8] .

قال: فقام زهیر بن القین البجلی فقال لاصحابه: أتتكلّمون أم أتكلّم؟


قالوا: لا، بل تكلّم.

فحمد اللّه فأثنی علیه، ثمّ قال: قد سمعنا هداك اللّه یا ابن رسول اللّه مقالتك، واللّه لو كانت الدنیا لنا باقیة، وكنّا فیها مخلّدین، إلاّ أنّ فراقها فی نصرك ومواساتك لاثرنا الخروج معك علی الاقامة فیها!!

قال: فدعا له الحسین، ثمّ قال له خیرا...). [9] .

لكنّ السیّد ابن طاووس (ره) ذكر أنّ الامام علیه السلام خطب هذه الخطبة فی أصحابه، ثم ذكرها، وذكر مقالة زهیر (رض)، ثمّ أضاف قائلاً: (وقال الراوی: وقام هلال بن نافع البجلی [10] فقال: واللّه ما كرهنا لقاء ربّنا! وإنّا علی نیّاتنا وبصائرنا، نوالی من والاك ونعادی من عاداك.

قال: وقام بُریر بن خضیر فقال: واللّه یا ابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علینا أن نقاتل بین یدیك، وتُقطّع فیك أعضاؤنا، ثمّ یكون جدُّك شفیعنا یوم القیامة!.). [11] .


[1] راجع: إبصار العين: 203.

[2] مثير الاحزان: 59-60؛ وعنه البحار، 45:15، ونقلها المرحوم الشيخ السماوي (ره) في إبصار العين: 203-204 وفيه: أبشر يا حُرّ بالجنة!، وقد روي الشيخ الصدوق (ره) في أماليه: 131 المجلس 30، ح 1: (قال الحرّ: فلما خرجت من منزلي متوجهاً نحو الحسين عليه السلام نوديتُ ثلاثاً: يا حرّ أبشر بالجنّة! فالتفتُ فلم أر أحداً! فقلت: ثكلت الحرّ أمّه يخرج الي قتال ابن رسول اللّه ويبشّر بالجنّة؟!..).

[3] الارشاد:219؛ وانظر: تأريخ الطبري، 3 :319-321.

[4] انظر تفصيل الرواية أيضاً في تأريخ الطبري، 3:324.

[5] انظر: البحار، 45:13 و 14.

[6] انظر: البحار، 45:13 و 14.

[7] الارشاد: 219.

[8] في اللهوف: 34 (فإنّي لاأري الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما) ويُفهم من سياق اللهوف أنّ الامام عليه السلام خطب أصحابه بهذا بعد عُذيب الهجانات، لكنّ ذلك غير دقيق كما هو الظاهر.

[9] تأريخ الطبري، 3:307.

[10] هو نافع بن هلال بن نافع الجملي المذحجي (رض)، وليس هلال بن نافع البجلي قال المحقّق السماوي (ره): (نافع: يجري علي بعض الالسن ويمضي في بعض الكتب هلال بن نافع وهو غلط علي ضبط القدماء... ويمضي علي الالسن وفي الكتب البجلي وهو غلط واضح) (راجع: إبصار العين: 150)، وسنأتي علي ترجمته (رض).

[11] اللهوف: 34-35.